ثم كانت غزوة بني قينقاع ـ بطن من يهود المدينة ـ في يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهراً من الهجرة النبوية المباركة، وكانوا أول من نقض العهد، فجمعهم رسول اللّه (ص) في سوق بني قينقاع وقال لهم:
(يا معشر اليهود احذروا من اللّه مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا، فإنكم قد عرفتم اني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد اللّه إليكم).
فقالوا : يا محمد لا يغرنّك انك لقيت قومك فأصبت منهم، ولا علم لهم بالحرب، فإنا واللّه لو حاربناك لعلمت انا خلافهم.
فكادت تقع بينهم المناجزة فنزل فيهم: (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد، قد كان لكم آية في فئتين التقتا…)
(1) إلى آخر الآية.
فبينما هم على ما أظهروه من العداوة ونبذ العهد إذ جاءت امرأة رجل من الأنصار فجلست إلى صائغ في حلي لها، فجاء أحد بني قينقاع فعمد إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها وهي لا تعلم، فلما قامت انكشفت فصاحت، فضحكوا منها، فاتبعه رجل من المسلمين فقتله، فاجتمع عليه بنو قينقاع فقتلوه ونبذوا عهدهم ووقع الشر بين المســـلمين وبين بني قينقاع، فنزل فيهم: (وامّا تخافنّ من قوم خيانة، فانبذ إليهم على سواء انّ اللّه لا يحبّ الخائنين)(2). فسار إليهم النبي (ص) وحاصرهم خمس عشرة ليلة إلى هلال ذي القعدة وكان اللواء بيد حمزة بن عبدالمطلب، وكان أبيض، فقذف اللّه في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكم رسول اللّه (ص) على ان له أموالهم، وان لهم النساء والذرّية.
فأمر (ص) المنذر بن قدامة بتكتيفهم، فتوسّط لهم عبداللّه بن اُبيّ وألحّ عليه من أجلهم.
فقال (ص): خلوهم، وأمر أن يجلوا من المدينة وتركهم من القتل، فأجلاهم محمد بن سلمة الأنصاري، وقيل: عبادة بن الصامت، فلحقوا بأذرعات الشام بنسائهم وذراريهم فلم يلبثوا إلاّ قليلاً حتى هلكوا، وأما أموالهم فخمّسها رسول اللّه (ص) وقسّم الباقي بين أصحابه.