فلما نزلت بنو قريظة على حكم رسول اللّه (ص) قالت الأوس: يا رسول اللّه قد فعلت في بني قينقاع ما قد فعلت وهم حلفاء إخواننا الخزرج، وهؤلاء موالينا.
فقال رسول اللّه (ص) : ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟
قالوا : بلى فمن هو؟
قال (ص): فذلك سعد بن معاذ.
قالوا : قد رضينا بحكمه.
وكان رسول اللّه (ص) قد جعل سعد بن معاذ لما به من الجراح الذي أصابه من وقعة الأحزاب في خيمة في المسجد تسكنها رفيدة امرأة صالحة تقوم على المرضى وتداوي الجرحى تحتسب بذلك الأجر، ليعوده من قريب، فأرسل رسول اللّه (ص) إلى سعد ليؤتى به ليحكم في بني قريظة، فاُتي به في محفّة وهو سرير يحمل عليه المريض، وأحاط به قومه وهم يقولون: يا أباعمرو، أحسن في مواليك، فإنما ولاّك رسول اللّه (ص) ذلك لتحسن فيهم.
فقال : لقد آن لسعد أن لا تأخذه في اللّه لومة لائم، فأحسّ قومه من كلامه هذا، انه يريد أن يحكم فيهم بما حكم به اليهود أنفسهم: من الحكم بقتل المحاربين وسبي ذراريهم ونسائهم ومصادرة أموالهم إذا كان الفتح لهم، وبما عاهد اليهود أنفسهم رسول اللّه (ص): من انهم لو نقضوا عهدهم معه كان له الحق في قتلهم ومصادرة أموالهم وسبي ذراريهم ونسائهم، ولذلك قالوا: واقوماه ذهب واللّه بنو قريظة.
فلما استقرّ بسعد المجلس، التفت إلى اليهود وقال لهم: يا معشر اليهود أرضيتم بحكمي فيكم؟
قالوا: بلى قد رضينا بحكمك، فأعاد عليهم القول.
فقالوا : بلى يا أبا عمرو.
عندها التفت سعد إلى رسول اللّه (ص) وقال اجلالاً له: بأبي أنت واُمّي يا رسول اللّه ما ترى؟
قال (ص) : احكم فيهم يا سعد، فقد رضيت بحكمك فيهم.
فقال سعد : قد حكمت يا رسول اللّه أن تقتل رجالهم، وتسبي نساءهم وذراريهم، وتقسّم غنائمهم وأموالهم بين المهاجرين والأنصار.
فنفّذ المسلمون حكم سعد فيهم فساقوا الاُسارى إلى المدينة، وأمر رسول اللّه (ص) بأن يحفروا حفراً في البقيع، فلما أمسى أمر بإخراج رجل رجل، فاُخرج كعب بن أسد، فلما نظر إليه رسول اللّه (ص) قال له: يا كعب أما نفعك وصية ابن حواش الحبر الذي أقبل من الشام وقال: تركت الخمر والخمير، وجئت إلى البؤس والتمور، لنبي يبعث، هذا أوان خروجه، يكون مخرجه بمكّة، وهذه دار هجرته، وهو الضحوك الذي يجتزئ بالكسرة والتميرات، ويركب الحمار العاري، في عينيه حمرة، وبين كتفيه خاتم النبوّة، يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى منكم، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر؟
فقال كعب : قد كان ذلك يا محمد، ولولا أن اليهود يعيّروني اني جزعت عند القتل لآمنتُ بك وصدقتك، ولكني على دين اليهود عليه أحيا وعليه أموت.
فأمر رسول اللّه (ص) بضرب عنقه، فضربت.
ثم قدّم حييّ بن أخطب فضربت عنقه، ثم ضربت أعناق الباقين، وكانوا قليلين جداً.
ويؤيّد ذلك سيرة الرسول (ص) في التقليل من القتل حسب الإمكان.
واصطفى (ص) لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو ثم قسم رسول اللّه (ص) بين المسلمين الأموال والنساء والذراري، وذلك بعد أن أخرج خمسها.